البحرية الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي (الجزء الثاني)
صورة لسفن الأسطول الجزائري البحري |
الجزائر مسؤولة عن السلم والأمن الدوليين
يقول المؤرخ دو مارتين:
كانت الدول الأوروبية تدعم قراصنتها ضد الجزائر وغيرها، فمثلا فرنسا، بعد العهد الملكي، وبموجب مرسوم من حكومة الثورة(الدريكتوار) بتاريخ 15 فيفري 1799، يذكر فيه بالنص الواضح: ضرورة تسليح القراصنة الفرنسيين. إذن القراصنة هم الأوروبيون أنفسهم و دولهم التي كانت تدعمهم.
إن الأسطول الجزائري في العهد العثماني الذي يثير الإعجاب كما يقول المؤرخ كاط، لم يقصر خدمته على الدفاع عن الجزائر فقط، فحتى عندما وصل إلى إيسلندا، في أقصى إسكندنافيا، أو شطوط بريطانيا، أو بحر الشمال وبحر المانش، والمحيط الاطلسي، فضلا عن البحر الأبيض المتوسط، فقد كان يدافع عن السلم والأمن الدوليين، ويحطم شوكة القرصنة الأوروبية، ويمنع ظلم الدول الأوروبية عن الدول الضعيفة، بل ويمنع الحروب بين الدول، أويشعلها، حسب ما تقتضيه المصلحة. فقد كان له الدور البارز في مساندة الدولة العثمانية ضد الدول الأوروبية وروسيا التي تكالبت عليها.
ففي أربع مرات على الأقل نهض أسطولنا مدافعا عن الدولة العثمانية، ومانعا لسقوطها:
يقول المؤرخ غارو:
حيث قام الأسطول الجزائري بدور لامع مشرف، حتى بعد أن أبيد أسطول الدولة العثمانية، أمام أساطيل البندقية والبابا بيوس الثاني، وإنكلترا وإيطاليا وإسبانيا.
- معركة ليبانت في اليونان يوم: 9 أكتوبر 1571.
- الحرب الروسية العثمانية سنة 1787.
- معركة العثمانيين لطرد نابليون من مصر.
- معركة نافارين سنة 1827، عندما أبيد الأسطول العثماني كله، وظل الأسطول الجزائر يحارب بمفرده أساطيل روسيا وفرنسا وبريطانيا.
وهكذا كانت الجزائر مانعا من سقوط العثمانيين أكثر من مرة، بل حتى بعد إبادة الأسطول العثماني، يبقى الأسطول الجزائري في الميدان يصارع وحده.
هل أسطول الجزائرأسطول قرصنة؟
يقول إدوارد كاط: "وكان الهولنديون والإنكليز، وأناس من جميع الدول، أكثر شراهة ووحشية في قرصنتهم من الجزائريين".
حاول الكثير من الأوروبيين تشويه صورة الجزائر، باتهامها بالقرصنة البحرية على الدول، إلا أنهم لم يستطيعوا طمس معالم الجزائر العظمى، فالمشوهون هم أنفسهم الذي حافظوا على تاريخ الجزائر من الإندثار، وحفظوا الحقيقة كاملة. سبحان الله أرادوا أن يشوهوا صورة الجزائر، فوجدوا أنفسهم قد حفظوا تاريخها المشرف.
أما بخصوص بعض الأشقاء الذي يسيرون على درب المحرفين، فهو حسد من عند أنفسهم، لا أكثر ولا أقل. والأوروبيون أنفسهم يعترفون بأن دولهم كانت دول قرصنة، وأنهم هم من كانوا الوباء البحري وليس الجزائر.
ويقول شارل أندري جوليان:
إذا كانت حياة الأسرى الأوروبيين المستعملين لدى الجزائر في تجديف السفن تثير الشفقة، فقد كانوا أسعد بكثير من الأسرى الجزائريين، الذي كانوا مستعملين في تجديف سفن ملك فرنسا، والذين كانوا يوسمون بالحديد المحمى، ويمنعون من ممارسة شعائر دينهم. وهذا لعمري طبيعي، فالمسلمين يتعاملون مع الأسرى من منطلق إسلامي،أما الأوروبيون فلا شيء يحكمهم ويوجه عواطفهم.
الجزائر تفرض القانون على العالم بالقوة
ضرورة فرض الجزية
يقول دي غرامون:
لقد ظلت الجزائر طيلة ثلاثة قرون رعب النصرانية وكارثتها، فلم تنج واحدة من المجموعات الأوروبية من البحارة الجزائريين الجريئين، بل وأخضعت الجزائر زيادة على ذلك لمهانة الضريبة السنوية: ثلاثة أرباع أوروبا، بل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.
هل هناك أعظم من هذا الاعتراف من الأعداء؟
ونظرا للمسؤولية الملقاة على عاتق الجزائر بحكم موقعها، فقد أصبحت ذات سلطة، بل هي الحكم في العالم، مما يتطلب تكاليف، وفرض الجزية على الدول، لضمان أمن سفنها.
يقول المؤرخ غارو:
لقد كانت الدول النصرانية التي أعلنت عليها الجزائر الحرب الدائمة، بصفتها شارع الجهاد، تظن نفسها ملزمة باشتراء الهدنة من حين لآخر، وبصفة متقطعة من الجزائريين.
- وهكذا كانت الولايات المتحدة المريكية، وهولندا والبرتغال، ونابولي، والسويد، والنروج، والدانمارك، تدفع للجزائر الجزية كل سنتين، بل إن السويد والدانمارك والنروج كانت تزود الجزائر بدون مقابل زيادة على الجزية، بالأسلحة والأسلاك والأعمدة وحدائد الإرسال والبارود والقنابل.
- أما فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والدول الإيطالية: سردينيا وطوسكانا والبندقية، فقد كانت تقدم نقدا أو عتادا، هدايا كل سنتين.
- أما الدول الألمانية: هانوفر وهامبورغ وبريمن، فقد كانت تقدم العتاد البحري والحربي.
- هذا كله فضلا عما كانت تقدمه جميع أصناف هذه الدول من هدايا لدى عقد معاهدات، وتغيير القناصل وغيرها من المناسبات.
- والدولتان الوحيدتان اللتان لم تكونا تدفعان الجزية للجزائر هما:النمسا وروسيا، ولكن ذلك جر عليها شرا مستطيرا، فقد كان الأسرى النمساويون وخاصة الأسرى الروس، بأعداد كبيرة في سجون الجزائر.
يقول المؤرخ غزافيي باردون:
وهكذا، ولتضمن الأمن لأساطيلها البحرية، قبلت جميع دول أوروبا بأداء ضرائب سنوية غالبا مرهقة لها، لتلك الحكومة القاسية الهائجة، التي كانت دائما في حالة حرب(يقصد الجزائر). فعلا،فالجزائر كانت طيلة قرون ثلاثة في حالة حرب دائمة، حتى تضمن ولاء الدول لها، وفرض قانونها بالقوة.
إضافة إلى الجزية، فقد كانت فرنسا تبعث بمناسة إرسال كل قنصل جديد بهدايا ثمينة إلى الجزائر، حتى يحظى بالقبول. وللسبب نفسه اضطرت بريطانيا المعتدة بنفسها إلى أن تضغط على كبريائها، وتهين قوتها البحرية، لتدفع لحكومة الجزائر مبالغ طائلة. وهكذا، كانت جميع الدول الكبرى تتبع نفس القاعدة، حتى الولايات المتحدة. فلدى كل تعيين لقنصل جديد يجب على كل واحدة من تلك الحكومات أن تبعث مع ممثلها بهدايا ثمينة، هكذا كانت تفعل ألمانيا، وإيطاليا، و حتى روما نفسها، وإسبانيا، والنمسا، وهولندا، أما السويد والدانمارك والصقليتان والبرتغال والولايات المتحدة، فقد كانت تدفع زيادة على ذلك، ضريبة سنوية ضخمة لخزينة الجزائر، وهكذا كانت هذه الخزينة أغنى خزينة في الكون آنذاك.
- الجزء الأول: من هنا